شرح سنن الترمذي
باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة
باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة.
حدثنا ابن أبي عمر اسم> حدثنا سفيان اسم> عن الزهري اسم> عن عبد الله اسم> والحسن اسم> ابني محمد بن علي اسم> عن أبيهما عن علي بن أبي طالب اسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> نهى عن متعة النساء، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر اسم> متن_ح> رسم> .
قال: وفي الباب عن سبرة الجهني اسم> وأبي هريرة اسم> .
قال أبو عيسى اسم> حديث علي اسم> حديث حسن صحيح
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وغيرهم.
وإنما رُوي عن ابن عباس اسم> شيء من الرخصة في المتعة، ثم رجع عن قوله حيث أُخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأمرُ أكثر أهل العلم على تحريم المتعة، وهو قول: الثوري اسم> وابن المبارك اسم> والشافعي اسم> وأحمد اسم> وإسحاق اسم> .
حدثنا محمود بن غيلان اسم> حدثنا سفيان بن عقبة اسم> أخو قبيصة بن عقبة اسم> حدثنا سفيان الثوري اسم> وعن موسى بن عبيدة اسم> عن محمد بن كعب اسم> عن ابن عباس اسم> قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام.
كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية: رسم> إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ قرآن> رسم> قال ابن عباس اسم> فكل فرج سوى هذين فهو حرام.
نكاح المتعة هو النكاح المؤقت، أن ينكح امرأة نكاحًا مؤقتًا بمعنى أن يحدد مدة فيتزوجها لمدة أسبوع، أو لمدة شهر، أو لمدة شهرين أو سنة أو نحو ذلك، ويقلل من المهر الذي يدفعه إليها ويتمتع بها هذه المدة فإذا انقضت هذه المدة فارقها. وإن أراد أن يجدد معها النكاح اتفقا على ذلك.
وقد اختلف في حله، والمشهور أنه ما أبيح ولا أذن فيه إلا في غزوة الفتح. ولعل السبب فيه أنه في تلك الغزوة دخل مكة اسم> غزوٌ كثير من الأعراب ومن البوادي، ومن أهل القرى الذين أسلموا حديثًا أي حديثٌ عهدهم بإسلام، ولما دخلوا مكة اسم> خيف عليهم من الفتنة.
لما فتحت مكة اسم> فخيف عليهم فرُخص لهم في نكاح المتعة، والظاهر أنه لم يستمر إلا مدة قصيرة في تلك الغزوة، ثم نهي عنه نهيًا باتًا نهيًا مؤبدا. هذا هو الذي يظهر أنه ما أبيح إلا أيامًا قليلة في غزوة الفتح مجاراة للذين كان حديث عهدهم بإسلام، ويخاف عليهم من الوقوع في الزنا فلأجل ذلك أبيح لهم أن يتمتعوا تلك الأيام، ثم ورد النهي عنها هذا هو المشهور.
وتكاثرت الأحاديث في أن النهي عنها كان في غزوة الفتح التي هي في سنة ثمان، ولكن أشكل عليهم هذا الحديث الذي سمعنا، والذي فيه أن النهي عنها كان في سنة سبع التي هي غزوة خيبر اسم> فإن فيه قول علي اسم> إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر اسم> متن_ح> رسم> ولم ينقل الذين حضروا الغزوة- غزوة خيبر اسم> - هذا النهي، لم ينقلوا الإذن في نكاح المتعة ولا النهي عنه. لم ينقل فيه إلا هذا الحديث عن علي اسم> - رضي الله عنه-.
وقد أجاب عنه ابن القيم اسم> في زاد المعاد، وتبع في ذلك شيخه، وقال: إن المراد الرد على ابن عباس اسم> كان ابن عباس اسم> يبيح نكاح المتعة، ويبيح لحوم الحمر الأهلية فعلي اسم> رد عليه وذكر زمن تحريم الحمر الأهلية، ولم يذكر زمن تحريم المتعة. فالظرف الذي في آخره إنما هو ظرف للأخير منهما فكأنه يقول: حرم نكاح المتعة، ثم سكت وقال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر اسم> .
أي فيكون قوله: يوم خيبر اسم> ظرف للفظة الأخيرة وهي تحريم لحوم الحمر الأهلية؛ لأن ابن عباس اسم> كان يرخص فيهما في نكاح المتعة وفي لحوم الحمر الأهلية.
فأراد أن يرد عليه فرد عليه ردًا مجملا أي نهى عن نكاح المتعة ولم يذكر زمانه، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر اسم> .
فيوم خيبر اسم> أو زمن خيبر اسم> وقت للنهي عن لحوم الحمر الأهلية.
وقد كثرت الأحاديث عن جماعة من الصحابة في أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رسم> حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر اسم> متن_ح> رسم> ولم يذكروا أنه حرم نكاح المتعة في تلك السنة، ولا ذكروا أنه أباحها، ولم يذكروا أنه أباح نكاح المتعة في شيء من غزواته كلها ما عدا غزوة الفتح، فإنه أباح لهم نكاح المتعة أيامًا قليلة، ثم بعد ذلك نهى عنه وأكد النهي وقال: رسم> إن الله قد حرم نكاح المتعة إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا متن_ح> رسم> هذا هو الصحيح.
الأحاديث تكاثرت في أن النهي كان في زمان الفتح، يعني عن نكاح المتعة. والرواية التي فيها أيضًا أنه نهى عنه في حجة الوداع كأنها رواية شاذة. وعلى تقدير صحتها تحمل على أنه أكد النهي يعني أكد التحريم وكرره، ولم يذكر أنه أباح ذلك. فالصحيح أنه ما أبيحت المتعة إلا زمن الفتح، ثم حرمت تلك السنة، هذا هو الذي يترجح من حيث الدليل.
وأما زمن خيبر اسم> فلم يذكروا أنه وقت للإباحة، ومع ذلك فإن بعضًا من العلماء أخذوا بظاهر هذا فقالوا: إن نكاح المتعة حرم مرارًا وأبيح مرارا، ومنهم النووي اسم> في شرح مسلم يقول: أبيح نكاح المتعة ثم حرم يوم خيبر اسم> ثم أبيح ثم حرم يوم الفتح. ويقول: وليس شيء أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم غير نكاح المتعة.
وزعم بعضهم أنه أبيح ثلاث مرات وحرم ثلاث مرات، وكلما رأوا رواية محمولة على أنها غلط أو شذوذ حملوه على أنه أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم وهذا ضعيف كما نبه على ذلك ابن القيم اسم> في الزاد وغيره. فيعرف بذلك أن النهي إنما كان مرة واحدة والإباحة مرة واحدة.
عرفنا أنه محرم، وفي بعض الروايات في حديث سمرة الجهني اسم> الذي أشار إليه الترمذي اسم> أنه نهى عن ذلك، وقال: رسم> إن الله حرم نكاح المتعة إلى يوم القيامة رسم> فعرف بذلك أنه محرم تحريمًا مؤبدا، وكذلك في بقية الأحاديث.
كثرت الأحاديث في النهي عنه ومع كثرتها فإن الرافضة يخالفون في ذلك، ويبيحون نكاح المتعة ويردون على أهل السنة، ويدعون أن الذي حرم نكاح المتعة هو عمر اسم> ويطعنون بذلك في عمر اسم> - رضي الله عنه- وشبهتهم روايات في بعض الأحاديث أن عمر اسم> نهى عن المتعة، وأن عمر اسم> حرم المتعة ونهى عن المتعة، ولكنهم غلطوا في ذلك غلطوا في الفهم، فإن المتعة التي نهى عنها عمر اسم> إنما هي متعة الحج يعني التمتع بالعمرة إلى الحج هذا هو الصحيح.
ففهم بعض الرواة أنها متعة النكاح ففسرها بها، وأخذ الرافضة ذلك طعنًا في عمر اسم> وقالوا: إنه حرم ما حلله الله، حرم ما أباحه الله وجعلوا ذلك مطعنا فيه، ولم يزالوا على ذلك إلى اليوم. في خلافة المأمون اسم> العباسي استولى كثير منهم على الخليفة، وكادوا أن يأخذوا بقلبه وأن يصرفوه عن الحق حتى هم أن يجعل الخلافة في أولاد علي اسم> ثم هم بأن يبيح نكاح المتعة لما أنهم كثروا عنده وأخذوا بقلبه فعند ذلك أمر بأن ينادي مناد بإباحة نكاح المتعة، وقالوا له: إنما حرمها عمر اسم> .
ولما سمع بذلك جلساؤه من أهل السنة، وكان من جملة من يأخذ عنه يحيى بن أكثم اسم> القاضي المشهور، فجاءوا إليه في وقت فراغه فقالوا له: إنك بذلك قد أبحت الزنا، فقال: وكيف ذلك؟
فشرحوا له أن المرأة المتمتع بها ليست زوجة وليست أمة مملوكة، وأن الله تعالى إنما أباح للمسلم ما أباحه بقوله: رسم> إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ قرآن> رسم> وقال: رسم> فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ قرآن> رسم> .
ومعلوم أن المتمتع بها لا يصدق عليها أنها زوجة مستمرة ثابتة، وأنها تسرع مفارقتها، وأنها لا ترث ولا تورث، ولا تحرم على أقاربه أو نحو ذلك، فليست زوجة تحرم، يعني أنها لا يصدق عليها ذلك، وشرحوا له أن هذا إباحة للزنا. ثم بعد ذلك كأنهم أقنعوه فرجع ، وبينوا له أن النهي عن نكاح المتعة ليس هو من عمر اسم> ولكنه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ورووا له الأحاديث.
والحاصل أن نكاح المتعة محرم، وأنه ليس بنكاح شرعي، ولا يقال بإباحته، وأما روي عن ابن عباس اسم> أنه كان يبيح لحوم الحمر الأهلية، ويقول: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- ما حرمها إلا لأنها حمولة الناس فرجع أيضًا عن ذلك واستدلوا له بقوله: إنها رجس.
وكذلك روي عنه إباحة نكاح المتعة، ولما نُقلت له الأحاديث وشرح له معناها رجع أيضًا عن ذلك كما نقله الترمذي اسم> كما سمعنا.
فاتفق أهل السنة على النهي عن ذلك، ولا عبرة بخلاف أهل البدعة.
مسألة>